هل يستطيع النظام السعودي الموازنة بين ضغط الشارع والتهديد الأمريكي...؟
و هل يعود الأمراء وينظرون إلى شعبهم على قاعدة المساواة والعدل؟!
نتيجة لأحداث سبتمبر، فإن الحكومة السعودية بشكل خاص، وحكومات الدول العربية بشكل عام، تواجه مأزقاً غير عادي فيما يتعلق بالموازنة بين متطلبات الضغط والتهديد الأمريكيين للتعاون فيما يسمى بمكافحة الإرهاب والحرب ضد العراق وربما إجراء تغييرات سياسية داخلية، وبين متطلبات الشارع السعودي شديد العداء للولايات المتحدة وحلفائها والذي يميل إلى تأييد كل عمل ضدها وضد المتحالفين معها، وعداء الشارع السعودي لأمريكا ليس انعكاساً لموقفها من العائلة المالكة، وهو موقف يتسم بالرعونة والضغط من أجل بعض الإصلاحات في المجالات السياسية، وإن كانت فظاظتها مهيبة للكرامة الوطنية.. وليس بالضرورة نابعاً من إيحاءاتها – وتسريباتها الإعلامية – عن مهام مستقبلية تستهدف وحدة الدولة السعودية نفسها، فهناك بين السعوديين من يرى في الضغط الأمريكي فائدة ما لإحداث التغيير، الذي لابد أن يمر – من وجهة نظرهم – عبر ضغوط داخلية وخارجية متواصلة، كما يرى بعض هؤلاء بأن الضغط الأمريكي على العائلة المالكة مفيد في تخفيف قبضة عنفها، خاصة وأنها كانت فيما مضى تستقوي بالخارج لقمع الداخل.
مسألة العداء الشعبي هي على الأرجح نابعة من أمرين أساسيين: أولهما سياسات أمريكا في الشرق الأوسط، وبالخصوص تجاه القضية الفلسطينية (والعراقية حالياً)، وإن كانت المسألة الأفغانية قد استثارت التيار السلفي في المملكة بنحو خاص، وثانيهما: دعم الولايات المتحدة للعائلة المالكة وتغليبها المصالح الآنية المتسمة بالنهب، على مصالح دائمة وثابتة قائمة على المصالح المشتركة، لم تكن العائلة المالكة قادرة على مواجهة التغيير بأدواتها المحلية لولا توفير الغرب عموماً مظلة لكل الممارسات المنافية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا العامل الثاني لم يعد قائماً إن صدقت النوايا الأمريكية، وما رشح من خلال مشروع الشراكة الشرق أوسطية الذي أعلنه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وإن كانت الشكوك لا تزال قائمة بشأن تلك النوايا.
أما النخبة الحاكمة في المملكة، فهي إذ تجابه بضغط داخلي وخارجي من أجل (الحقوق الأساسية للمواطنين) فإنها أعطت الإشارات إلى الأمريكيين بأنها بصدد التنازل بشأن قضايا عديدة: اقتصادية نفطية، وسياسية في مجال الحرب ضد الإرهاب والأنظمة غير الموالية لأمريكا، بل وأحياناً بعض التنازلات الداخلية فيما يتعلق بإصلاح مناهج التعليم، لكن هذه النخبة لم تبد حتى الآن استعداداًي لتقديم تنازل سياسي داخلي لشعبها، وهو ما جعل العائلة المالكة وكأنها تحابي الأمريكيين للبقاء في السلطة، بثمن يدفعه الشارع السعودي نفسه، ومن هنا تصاعدت النقمة الشعبية ضد الحلف الأمريكي – السعودي.
ولا يخفى أن الولايات المتحدة وضعت نظام الحكم في المملكة أمام تحد خطير، فالوقوف غير المشروط معها ووفق معاييرها وضمن الخطة التي ترسمها والغاية التي تسير باتجاهها، يعني على الأرجح صداماً بين الحكومة وشعبها تكون هي الخاسر الأكبر منه، ولا يبدو أن الولايات المتحدة مهتمة كثيرا بهذه النتيجة، أو على الأقل غير مبالية بأية نتائج تترتب عليها، رغم أنها لا تخدمها على المدى البعيد، والمدهش، أن العائلة المالكة بدت وكأنها تحاول الموازنة قدر الإمكان بين الوقوف مع أمريكا ومشاريعها، والوقوف إلى جانب شعبها تجنباً لغضبة انفجارية غير مضمونة النتائج، وذلك باستخدام خطابين محلي ينزع لإدانة الحرب على العراق، وخارجي يميل إلى التكتم والصمت عن الدعم المقدم للقوات الأمريكية من تسهيلات عسكرية في أراضيها، وتقديم خدمات استخباراتية لملاحقة (النشاط الإرهابي) حسب التعريف الأمريكي.
لكن هذه السياسة لم ترض الطرفين: الأمريكي والشعبي، ولا تزال العائلة المالكة غير قادرة على الإمساك بعصا التوازن نظراً للمطالب الحاسمة لكلا الجانبين، الولايات المتحدة، تريد موقفاً سعودياً لا يتخفى ولا يوازن، مبدؤه من ليس معنا فهو مع الإرهاب بل هو إرهابيي، موقف لا تراعي فيه القوانين المحلية ولا المعايير الأخلاقية بما فيها مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، أما الرأي العام السعودي فيشعر بهشاشة العائلة المالكة، وضعفها أمام الأمريكي، ويطالبها بموقف صلب تجاه القضايا العربية والإسلامية، ليست قادرة على اتخاذه.
لكي تكون العائلة المالكة قادرة على مواجهة ضغوط الخارج، فإنها بحاجة إلى تطوير مؤسساتها السياسية لتزيد التحامها مع شعبها، ويسود الاعتقاد بأن الأحداث الحالية تقدم فرصة مثالية لإحداث تغيير كبير في مسار العملية الديمقراطية حيث أتاحت الأحداث الأخيرة للحكومة السعودية فرصة للتعرف على جذور العنف لديها، وأنها بالتالي لن تجد حلاً لتلك المشاكل سوى في إعادة النظر في هياكلها السياسية والاقتصادية والإعلامية.
لاشك بوجود قلق كبير يوجد بين المسؤولين السعوديين لم يشعروا به من قبل، فالولايات المتحدة لم تظهر هذه المرة بمظهر الحامي لنظام العائلة المالكة، بل بمظهر المؤدب المهدد الآمر باتخاذ نهج معين، وفي المقابل فإن هذا النظام يتعرض في الوقت نفسه إلى تهديد غير عادي من قوى استطاعت أن تهز أعماق الولايات المتحدة نفسها، لهذا فإن هناك أماً بأن تميل العائلة المالكة – في المحصلة النهائية – باتجاه الإصلاح الداخلي كوسيلة أولى لتحصين نفسها أمام المخاطر التي تبدو اليوم داخلية وخارجية على حد سواء.
غير أن هذا التفاؤل قابل للتبدد، فأمريكا تريد من نظام الحكم أمرين متعارضين في ظاهرهما: إصلاح سياسي من جهة، وقمع لقوى لا تعجب أمريكا أو تتهمها بالإرهاب، كما أن إجبار أمريكا للأمراء السعوديين على تبني سياسات وتقديم تنازلات حساسة مخالفة للشعور العام، يدفع بهم إلى الاصطدام بشعبهم أو ببعض شرائحه الفاعلة،ض ومثال ذلك، الإلحاح الأمريكي على مسألة الدعم السعودي للحرب ضد العراق، والإصرار على استخدام القواعد السعودية والأجواء السعودية للانطلاق منها نحو الحرب