السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحكومة المصرية ترفض علاج الالتهاب الكبدي!
بقلم: د. سعد عمارة*
أثناء حضوري مؤتمرًا حول أمراض الكبد فوجئتُ كما فُوجئ معي حوالي مائة طبيب بتصريح خطير للأستاذ المحاضر- وهو بالمناسبة مصري وله وضع متميز في أبحاث أمراض الكبد- حيث صرح الأستاذ الدكتور المحاضر بأنه قابَل مدير منظمة الصحة العالمية وسأله: لماذا لا تدعموننا في مصر لعلاج مرض الالتهاب الكبدي الوبائي virus c كما تدعمون جنوب إفريقيا بمليارات الدولارات لعلاج مرضى الإيدز؟!
وكان ردّ مدير منظمة الصحة العالمية هو أن "حكومة مصر لم تَطلب ذلك، بل قرَّرت الحكومة المصرية أن المرض تحت السيطرة وليست هناك مشكلة"!!
تأتي هذه الإجابة في الوقت الذي تُشير فيه الإحصاءاتُ الرسميةُ المعتمَدةُ من وزارة الصحة المصرية أن نسبة 14.5% من المصريين مصابون بالمرض!! ومعظمهم في الفترة السنية فوق الثلاثين عامًا، أي فترة العمل والإنتاج.. أي أن حوالي 11 مليون مواطن مصابون بالمرض، مع ملاحظة أن الإحصاءات غير الرسمية تقدّر النسبة بحوالي 25% والعدد في تزايدٍ مستمر، كما أنه من المعروف في جميع الأوساط العلمية العالمية أن مصر بها أعلى نسبة إصابة في العالم، ثم تأتي الحكومة المصرية وتقول إنها لا تحتاج إلى المساعدة وإنَّ المرضَ تحت السيطرة!!
فلنأخذ الأمر من جانبٍ آخر إذن لكي ندرك حجم المشكلة:
أحدث علاج للمرض هو حقنة "الإنترفرون" طويلة المفعول، وثمن الحقنة الواحدة يزيد على الألف جنيه ويصل أحيانًا إلى 1200 جنيه، في حين أن مريض الالتهاب الكبدي يحتاج إلى حقنة أسبوعيًّا لمدة عام كامل.. أي حوالي 52 حقنة.. هذا غير الأدوية المساعدة.
وبحسبة بسيطة نجد أن المريض الواحد يتكلَّف علاجه حوالي 70.000 جنيه (سبعين ألف جنيه)، أي أن علاج نسبة الـ14.5% (كما تصرِّح الحكومة) يتكلف حوالي 77 مليار جنيه!!
فماذا عن ميزانية وزارة الصحة؟! ميزانية وزارة الصحة كلها حوالي 6 مليارات جنيه في العام!!
نحن بلا شك إذن بحاجة ملحَّة إلى مساعدة منظمة الصحة العالمية؛ الأمر الذي لا يحتاج إلى أكثر من إعلان الحكومة المصرية أنها بحاجةٍ إلى المساعدة.
فإذا أخذنا جنوب إفريقيا كنموذجٍ لمساعدة منظمة الصحة العالمية نجد أن حكومتها تحلَّت بالشجاعة الكافية لتعلنَ أنها لا تستطيع مواجهة مرض الإيدز، كما لا تستطيع تحمُّل تكلفة علاج مرضى الإيدز؛ حيث يصل سعر الحقنة الواحدة إلى مئات الدولارات.
فقامت المنظَّمة بالإشراف على حملة مواجهة المرض، ودعمت العلاج ليكون السعر في متناول الجميع.. أما حكومتنا الرشيدة فتخشى الإعلانَ عن عجزها عن حلِّ المشكلة؛ بحجة عدم بثِّ الذعر في قلوب المواطنين!!
وارتفاع النسبة في مصر يرجع سببُه إلى استعمال الحقن الزجاجية لأكثر من شخصٍ قبل دخول السرنجات البلاستيكية إلى مصر في الثمانينيات، خاصةً علاج البلهارسيا بالحقن الزجاجية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي قبل ظهور العلاج عن طريق الفم.
كما ينتشر المرض بسبب استعمال أمواس الحلاقة لأكثر من شخص في صالونات الحلاقة، واستعمال السرنجات لأكثر من شخص في بعض الأماكن النائية، وكذلك استعمال فُرَش الأسنان لأكثر من شخص، واستعمال الأجهزة غير المعقَّمة في عيادات الأسنان.
ويؤدي الالتهاب الكبدي إلى عدة أمراض أخرى خطيرة، فيتسبَّب في تليُّف الكبد، وسرطان الكبد، وينتهي بالفشل الكبدي التام.
فيا حكومتنا الرشيدة.. هلا رحمتِ الشعبَ المريضَ.. وتحلَّيتِ بالشجاعة الكافية لطلب المساعدة؟!
حسبنا الله ونعم الوكيل