,,السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
القرآن هو كلام الله العظيم ، وحبله المتين ، والسراج المنير ، وهو الرحمة المهداة من رب العالمين لعباده المؤمنين ، الهادي إلى صراط الله المستقيم كما في قوله -تعالى-: "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [المائدة:16]
إن الكلام عن القرآن يشعر القلوب بالسكينة والطمأنينة والسعادة ؛ وما ذاك إلا لأن الأرواح لها حق وغذاء كما الأبدان ، فغذاء الأبدان الطعام والشراب ، وغذاء الأرواح الإيمان والقرآن.
القرآن كلام عظيم يحمل رسالة الإسلام وشرائعه الحكيمة ، لذلك كان لزاماً على المسلم أن يقرأ القرآن بقلبه بتفكر وتدبر كما أمر الله -تعالى- عباده في قوله: " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" [محمد:24] ، ولا تكون التلاوة بلسانه فقط يَهُذّهُ هَذّ الشّعر ولا ينتفع قلبه بشيء ، حتى إن الواحد يتلو يونس ولا يدري إلا وهو في يوسف ما كأنه قرأ هود التي شيبت الرسول -صلى الله عليه وسلم-* والله وحده المُستعان.
وحتى نحصل ونصل لحقيقة التدبر لابد أن ننظر في سير من قبلنا ، وكيف كانت حياتهم مع القرآن ، فنتعلم منهم السُبل والطرق التي بها عاشوا حقيقة مع كتاب الله.
المُعلّم يبكي عند سماع القرآن
وخير من نتعلم منه المعلم الأمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأ علي".قال: قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟. قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري".قال:فقرأت عليه النساء حتى إذا بلغت "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" [النساء:41] . قال لي : "كف ، أو أمسك" فرأيت عينيه تذرفان. صحيح (المحدث:البخاري ، المصدر:الجامع الصحيح)
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبكي تأثراً بالآيات العظيمة ، فما بالنا نقرأ اليوم ولا نبكي؟ وما بال بعض بني القوم اتخذوا القرآن مهجوراً؟
العائق الأكبر والخلاص منه
إن أكبر عائق يعيق عن تأمل وتدبر الآيات هو تعلق القلب بحطامٍ زائل ودنيا فانية ، وإذا ما قرأ العبد القرآن بقلبه فوعى حقيقة الوجود وانتهل الإيمان من النبع الذي لا ينضب لفقه أننا ما قدمنا زاد ليوم المعاد.
وقد يتساءل أحد ، إن كان التعلق بالدنيا عائق عن تدبر القرآن ، فلماذا نقرأ القرآن ونعلم أن قلوبنا معلقة بالدنيا ولن ننتفع بالقرآن؟
فيكون الجواب عليه ، أن من قرأ القرآن طالباً للعلاج سيكون خلاصه من التعلق بالدنيا فيه -أي بالقرآن-.
وحتى ندرك هذا المعنى جيداً لنتوقف عند هذه الآيات من سورة فاطر: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " [فاطر:5-7]
فرجلٌ قرأها بقلبه راجياً الله أن يهديه الصراط المستقيم ، فأدرك من هذه الآيات حقارة الدنيا ، أغلق مصحفه واضطجع وهو يعيش في فكره معها ، فأذن المؤذن للصلاة ، فما تظنون صاحبنا فاعل؟ هل سينام أو يتأخر عن الصلاة؟ أم أنه سيقوم لكأنه سمع منادي النجاة؟
والآخر قرأها وفكره في مشاغله شاغل ، حتى إذا انتهى من التلاوة أغلق المصحف وذهب لحاجة من حاجاته ، أو وضع رأسه على وسادته ، فإن سمع النداء "حي على الصلاة حي على الفلاح" هل يا ترى ستتحرك الأركان كالأول؟
خلاصة القول ، إن تحرك القلب مع الآيات ستتحرك الجوارح إن شاء الله ، وإن غفل القلب فالجوارح له تابعة.
وقد قال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: "لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل".
هذه وقفة مع دمعات الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند سماعه القرآن العظيم.
ومن أرادت الإنتفاع أكثر فلتقرأ كلام أهل العلم في التدبر ، ولتسمع المحاضرات من أهل القرآن أنفسهم ، فإنه لن يتكلم أحد من البشر عن القرآن مثل أهل القرآن.
هذا وإن أصبت فمن الله وحده لا شريك له ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه براء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
----------
هامش:
* وذلك في صحيح الجامع ، قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب" صحيح